السبت، مايو 14، 2011

قراءة فى ديوان (سلم لفوق) لفتحى حمد الله .. السلم بين المكانة والمكان







قراءة فى ديوان (سلم لفوق) لفتحى حمد الله .. السلم بين المكانة والمكان

فتحي عبدالسميع


الشاعر فتحي عبدالسميع


غلاف ديوان سلم لفوق



(سلم لفوق) هو العنوان الذى اختاره الشاعر فتحى حمدالله، اسما لمجموعته الشعرية الأولى التى صدرت عن مؤسسة (وعد للنشر والتوزيع) بالقاهرة، والتى تكشف عن تجربة ناضجة، وشاعر يستحق أن مكانة بين شعراء العامية فى قنا، وذلك لما يتمتع به من مهارات متعددة، فى النسج والبناء، فهناك القصيدة المبنية من مقاطع صغيرة، والقصيدة التى توظف مصطلحات الكمبيوتر، والقصيدة التى تلعب بحروف اسم الشاعر، والقصيدة التى تحاول رسم بورتريه لشخص ما، مثل شخصية (التبَّاع) فى قصيدة (سرفيس) وغيرها من التجارب التى تضفى على المجموعة قدرا من التنوع.

عنوان المجموعة يبدو غريبا، فالسلم رابط بين مكانين، أحدهما علوى والآخر سفلى، وطبيعة السلم تتسم بالمراوحة بين الصعود والهبوط، لكن السلم هنا مخصص للصعود فقط.

وبالنظر إلى العنوان فى ضوء أجواء الديوان، لا نجد العنوان غريبا، فالذات المتكلمة دائما فى حالة هبوط وتقهقر، وفقدان دائم لمكانها ومكانتها، وهذا يظهر منذ الصفحة الأولى التى تأتى بلا عنوان :

إيه سر قعادك

فى الدرْج الأخرانى

رغم شطارتك

وفراغ الروس المسنودة

على أكتاف الزملا قدامك

وجنون الأستاذ بكلامك

فـ طابور الصبح .

العلاقة هنا متناقضة بين إمكانيات المتكلم ومكانه، والشعور واضح بضرورة أن يكون المتكلم فى (الدرْج) الأول ـ ونلاحظ هنا العلاقة الصوتية بين الدرج بتسكين الراء، والدرج بفتح الراء والتى تعنى السلم ـ لكن ما يحدث هو التواجد فى المؤخرة، كى يتأمل بألم تلك الرؤوس الفارغة التى تقدمت عليه، والمكانة المفقودة فى الفصل ترتبط بمكانة متحققة فى طابور الصباح، وذلك من خلال الكلمات التى تبلغ من القوة والتأثير حد إصابة المدرس بالجنون، الكلام هنا هو الفعل الوحيد الذى ينقل الذات من مكانة متأخرة، إلى أخرى متحققة،لا تتجاوز الزملاء فقط، بل تؤثر فى الأستاذ .

الكلمات هنا هى ذلك السلم الذى يصعد بصاحبه ولا ينزل، وسوف نراها فى الديوان وقد اتخذت اسم الشعر، أى أن الشعر هو ذلك السلم الذى يصعد بصاحبه ولا ينزل أبدا .

قلمك عكازك

اتسند بيه

وانت بتطلع

من شرنقة الحواديت

الخايفين من بكره .

و بامتداد الديوان نبقى، دائما مع الذات المتكلمة وهى فى المعاناة، كما نبقى مع الشعر وهو يحاول الصعود بها إلى أفق أرحب ولعل أهم ما يهمنا الآن ، هو الإشارة إلى مهارات الشاعر والتى تأتى فى مقدمتها قدرته على التفكير بالصور المجازية كما نقرأ فى وصفه لمدينة الأقصر:

الشمس فى لقصر

كرباج بيلسوع ضهر اليوم

وشعاعها مخالب

مغروزة فى لحم الرحلة

وعيون الصبيان رصاصات طايشة

متصوبة على عرى السياح

الوصف هنا ملىء بالتشبيهات التى تكشف عن مخيلة حية ومنظمة، تستطيع أن تضم المفردات المختلفة فى خيط واحد هو الحدة، وتقدم صورا حسية تجعلنا نستوعب الحالة .

وإذا كانت التشبيهات هنا تأتى فى صور جزئية مختلفة، فالشاعر فى قصيدة أخرى يقدم لنا تشبيهًا واحدًا فقط لكن يعمقه بالكثير من الصور المرتبطة به فيقول فى قصيدة شارع :

ولا شارع فى بلدنا مفرود

ولا شارع إلا وكان

ناعم أملس زى التعبان

والناس ملزوقة حوالين جلده

حواديت

شىء شفاف ورهيف

زى ورقة البفرة

ولا شارع إلا وكان تعبان

بالع أحزان اليوم

يتسحب بشويش

ويا دوب

يطلع م التوب .

إن الشاعر لا يكتفى بتشبيه الشارع بالثعبان، بل يتعمق فى التشبيه، وتعدد دلالات الثعبان، فالثعبان الشرير يتمثل فى الطرق غير المستقيمة،غير أن الثعبان لا يعبر عن الشر فقط، بل يعبر عن تلك النعومة التى تبعث على الدفء والشفافية والرهافة، واحتواء متاعب وأحزان اليوم.

القصيدة كلها تعتمد على الثعبان، فهى صورة واحدة لكنها معمقة، ومفصلة تكشف عن أبعاد المكان المختلفة، وهذا يتكرر فى قصيدة أخرى بعنوان الشاعر مع تغيير طفيف، حيث تتشابه فيه ممارسة الشعر مع ممارسة الجزارة يقول فى قصيدة بعنوان (الشعر):

على ناصية شارع أيامى السوده

بساطور من صمت

على قرمة مواويلى

بيقطع منى ويرمى

لساعات الليل السعرانة

تنتعش الأحقاد جوايا

وتغرز ضوافرها

ف لحم قصايدى

انزفنى على إسفلت الإحباط

المدكوك بالجزم الميرى

وعجلات العربيات الملاكى

وأقدام الكناسين

أفضل سايل وما اجفش.

لعل تلك القصيدة تلخص تجربة الشاعر، والتى تقوم على الشعر المرتبط باللحم، وتلك الأجواء الساحقة التى يحيا فيها الشاعر، فهو يشبه الشعر بجزار، يقوم بتقطيع لحمه، وكان الكتابة الشعرية عبارة عن عملية ذبح ذاتى يقوم بها الشاعر، لكن هذا الذبح وذلك التمزق لا يفضى للموت، بل عن حياة، فالدم الذى يسيل يبقى متحركا ولا يجف، وإذا كانت الأعضاء هى مكان الدم، فإنه هنا فى حالة مغادرة لمكانه ومكانته أيضا، والحركة هنا تمضى لأسفل، لكنها بالشعر ترتقى وتغلب منطق الأشياء، ويبقى الدم حيا رغم كونه فى التراب، وهذا هو سلم الشعر، إنه لا يؤدى إلى مكان، بل إلى مكانة لا تعرف إلا الصعود، لأنها اقوى من كل الظروف المحيطة، وأقوى من منطق الأشياء ।

الشاعر /فتحي عبدالسميع

المصدر / جريدة أخبار قنا

الرابط هنا


ليست هناك تعليقات: